August 25, 2011

هل يستطيع الليبراليين واليساريين بناء إقتصاد جديد بينهما؟



أنا ليبرالى وأعشق بلدى ولا أقبل ما وصل إليه حال القاعدة الأكبر من شعبنا، كما أننى لا أعتبر ما مررنا به فى عهد مبارك سياسة ليبرالية، بل بالعكس لقد كانت سياسة فساد قائمة على الإحتكار وزواج السلطة بالمال وإن كانت مغلفة فى غلاف ليبرالى فإنها أبعد ما تكون عن الليبرالية الحقيقية التى تتسم بالشفافية والتنافسية والسوق المفتوحة للجميع. ولا أعتبر ما مررنا به فى عهده حجة على الليبرالية بقدر ما لا أعتبر ما مررنا به فى عصر عبد الناصر حجة على الإشتراكية. وأؤمن بالليبرالية وبأنها تدفع العالم إلى التقدم والتطور وتعظيم الإستفادة من الموارد، ولكن بنفس هذا القدر من الإيمان بالحرية الإقتصادية أعلم أن جوهرالليبرالية ليس قائماً على المساواة وليس معنياً بالدرجة الأولى بالعدالة الإجتماعية وإن كانت لها مفاهيمها الخاصة عن كيفية تحقيقها. وفى الوقت ذاته أعلم أن جوهر الفكر اليسارى يهدف إلى تحقيق المساواة ولكننى أعلم أيضاً أن الإشتراكية تعانى من قصور فى عدة أوجه وأنه حتى يومنا هذا إستطاع اليسار أن يفند السياسات الليبرالية وأن يكشف عن مساوئها بدون إيجاد حلول عملية وناجحة على مستوى دولة بأكملها. وبالرغم من الإختلافات الجذرية فى الفكر إلا أن كلاً من الليبراليين والإشتراكيين المصريين عليهم الآن مسؤلية ضخمة للعبور بمصر من المرحلة الحالية إلى مستقبل أكثر إشراقاً وفى سعيهما إلى ذلك عليهم أن ينسفوا النظام القائم وأن يشيدوا نظام جديد. فهل يستطيع الطرفان العمل معاً والوصول إلى حلول مشتركة للخروج ببلادنا من هذه الهوة؟ 
 

أعتقد أن ذلك ممكناً أولاً لأن هناك نقاط مشتركة عديدة لن نختلف عليها وهى نقطة البداية حتى وإن إختلفنا على الشكل النهائى هناك مشكلات أساسية يواجهها الطرفان.. وثانياً لأن المناظرة على المستوى الأيديولوجى كثيراً ما تقود إلى إبراز الإختلافات أما الحديث على المستوى التنفيذى فكثيراً ما يقارب من وجهات النظر ونجد أن الحلول متشابهة فى العديد من الحالات.

فى النقاط التالية أحاول أن أضع خطوط عريضة لبعض  من النقاط التى أتخيل أنها قد تكون مشتركة بين الطرفان وبعد الإقتراحات أتمنى أن تكون بداية لورقة عمل أدعو الجميع للإضافة لها والعمل على تنقيحها ربما نستطيع أن نصل إلى حقبة من السياسات التوافقية.

الفساد الحكومى وسؤ التنظيم
القضاء على الفساد الحكومى وهو إحدى التحديات الرئيسية التى لن تقوم بدونها أى سياسة مستقبلية سواء كانت إشتراكية أو ليبرالية وهى خطوة معنية ليس فقط بالقضاء على الرشوة والمحسوبية وما شابها من ممارسات إجرامية، ولكنها معنية أيضاً بالتشريعات والقوانين واللوائح القائمة والتى فى حالات تعطى المسؤلين صلاحيات مفسدة وفى حالات آخرى تبالغ فى وضع الضوابط بشكل يعرقل سير العمل. والفساد الحكومى سواء الإجرامى أو التشريعى منه للأسف يمس جميع القطاعات من الجمارك إلى الصحة ومن التعليم إلى المواصلات. ومحاربته سوف تتطلب سنوات من العمل ولكن مطلوب الإتفاق مبدئياً على الأليآت: ومنها إعادة هيكلة الأجور فى القطاعات الحكومية للحد من الرشوة وفى نفس الوقت رفع قيمة المصروفات فى قطاعات معينة بما يتناسب مع حجم الإستثمارات أو الأعمال فى هذه القطاعات ووضع الضوابط والتدريب وميكنة النظام الحكومى.

التخطيط والشفافية والرقابة المدنية
عانى النظام المصرى من قصور فى التخطيط أدى إلى غياب القدرة على الإستثمار طويل الأجل. ولا يقتصر تعريف الإستثمار هنا على مفهومى الليبرالى (أحسن حد من اليساريين يتضايق ولا حاجة) ولكن المقصود هو أى نشاط طويل المدى قد تقوم به الدولة أو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو التعاونيات أو الشركات الإستثمارية. قيام أى من هذه الكيانات بوضع خطط طويلة الأجل مستحيل مع حالات التخبط التى عانينا منها فى ظل مجموعات من التشريعات العشوائية لا يربط بعضها ببعض أى فلسفة أو فكر موحد. ومع التخطيط مطلوب وضع معايير لتقييم الأداء لإعادة تصحيح المسارات وإرساء الشفافية لإشراك المجتمع فى تنفيذ الخطط والسياسات.

اللا مركزية
إن النظام المركزى الذى تم إرسائه فى الخمسينيات هو نظام إقصائى وتهميشى وأدى على مدار العقود المتتالية إلى شبكة معقدة من البيروقراطية والفساد الإدارى كما تسبب فى تهميش قطاعات من الشعب مثال سيناء والصعيد ومرسى مطروح وكلهم يعانون من التخطيط الذى لا يمثل إحتياجاتهم أو البيئة التى يعيشون بها ومثال آخر هو مدينة السويس التى توفر لموارد الدولة مليارات من عائدات القناة تمر عليها مرور الكرام. نحتاج إلى الخروج من المركزية إلى نظم الحكم الذاتى سواء على المستوى الجغرافى أو المهنى أو الإقتصادى، إبتداءً من إختيار المحافظين إلى حرية إنشاء النقابات والتعاونيات. وهذه نقطة يتفق عليها الإتجاهان الليبرالى والإشتراكى وهى خطوة أساسية لإعادة توزيع السكان فى الجمهورية لتخفيف الضغط على الدلتا ووادى النيل.

إعادة تخطيط الدعم الحالى
لا يختلف الإشتراكيين والليبراليين على أن سياسة الدعم الحالية غير مجدية فيستفيد القادرين منها أكثر من المحتاجين بل وتستفيد منها صناعات ليس لها حاجة لهذا النوع من الدعم – مثال الأسمنت والسماد - والذى يتنافى مع مبادئ المنافسة العادلة فى العالم كله. هناك العديد من الدراسات والمقترحات لإعادة تخطيط الدعم أو إلغاءه لصالح الطبقات الأكثر إحتياجاً وكلها بدائل معقولة تحقق فى النهاية مطلب الإشتراكيين من العدالة الإجتماعية ومطلب الليبراليين من الشفافية والتنافسية الحقيقية فى الأسواق. كما أن إلغاء الدعم أو إعادة هيكلته يقضى على أنواع مختلفة من الفساد والسوق السوداء كما يخلص الشعب من السياسات الإحتكارية.

تفعيل بعض الضرائب والرسوم الغير مفعلة
الضريبة العقارية من أهم الضرائب الموجودة فى جميع أنحاء العالم والتى يتم تخصيص عائداتها فى الأغلب إلى السلطات المحلية لإعادة إنفاقها على الخدمات الخاصة بسكان هذه المناطق. وفى كل الحالات هى ضريبة منطقية وتتناسب مع قيمة العقارات المملوكة وبالتالى فهى لا تمثل عبء على من يدفعها. بالإضافة إلى هذه الضريبة هناك العديد من الرسوم التى يجب تطبيقها مثال رسوم إستخدام الطرق السريعة والتى يمكن مضاعفتها بدون التأثير على حال القطاع الأكبر من الشعب ورسوم إستخراج رخص البناء والهدم والمحال التجارية إلخ.. والتى يدفع أصحابها اليوم أضعاف قيمتها فى الرشاوى. إن تحصيل هذه الرسوم على المستوى المحلى وإعادة إنفاقها على تحسين الخدمات والمرافق يؤدى إلى زيادة الموارد المحلية ويمكن إستخدامها للقضاء على الفساد. وهى نقطة من النقاط التى لن يختلف عليها الإشتراكيين والليبراليين، حيث أن الغالبية العظمى من أصحاب الأعمال يعانون من الفساد ويفقون أضعاف الرسوم الحكومية فى صورة رشاوى تكلفهم مبالغ طائلة ولكن أيضاً تكلفهم من الوقت والجهد.

التعليم والصحة
إعادة تخطيط ميزانية الدولة لصالح الإستمثار فى التعليم والصحة من النقاط التى لن يختلف عليها الليبراليين والإشتراكيين خاصةً إذا تم إستخدام جزء من الموارد التى يتم توفيرها من الدعم بدون إضافة أعباء جديدة على الدولة. وأرى أن الإستثمار فى المجالان من السياسات التى تحظى بالتوافق بين الطرفان حيث أنها ترتقى بالأداء العام للمجتمع وللدولة ولن يختلف أى من الطرفان على أهميتها لتوفير التكافوء فى الفرص بين فئات المجتمع المختلفة وإضفاء قيم الكفاءة على الثقافة العامة.


تفعيل الإتحادات والنقابات والمؤسسات المدنية
إن كابوس العمال هى الإدارة الدكتاتورية الجشعة وكابوس أصحاب الأعمال هى إعتراضات فوضوية لعمالة غير منظمة، تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال تصب فى مصلحة الطرفان ولا نطالب بعلاقة مسالمة مليئة بالحب والحنان فهذا مستحيل وسوف تظل العلاقة ما بين الطرفان دائما يشوبها الشد والجذب ولكن تنظيمها فى مصلحة الجميع. وقد عانى المجتمع على مدار سنوات القمع من الإتحادات والنقابات الحكومية الصورية الفاسدة التى لم تساعد أى من الطرفان ولكن منهما مشكلات حقيقية واجبة الحل وليس بطريقة القمع ولا العنف ولكن عن طريق التفاوض والمنطق الذى يحتوى المشكلات من الطرفان. ولذلك فإن تفعيل الإتحادات والنقابات المهنية والعمالية من أهم الخطوات اللازمة لبناء إقتصاد جديد يقوم على علاقات أكثر توازناً ما بين أطراف المنظومة الإقتصادية.

إن التعاون ما بين الليبراليين والإشتراكيين فى المرحلة القادمة ليس إختياراً ولكنه فرض وواجب وطنى وواقع حقيقى وقد أثبتت كل التجارب السابقة إن السبيل الوحيد لوضع نظام إقتصادى أو تغيير نظام قائم لا ينجح إلا إذا تلاقت قيم المجتمع مع النظام المقترح وأى تغيير يجب أن يقابله تطور فى فكر المجتمع ككل وليس عن طريق فرضه من أعلى. ولذلك فإن أى فكر للتغيير يجب أن ينبع من الوضع القائم وليس عن طريق تغييرات جذرية لا يقابلها منظومة مجتمعية تسمح بتطبيقها والأمثلة عديدة منها فرض إشتراكية الدولة فى أيام جمال عبد الناصر والتى بائت بالفشل وفرض رأسمالية الدولة فى فترة أنور السادات والتى بائت بالفشل أيضاً حيث لم يكن المجتمع مستعداً فى كلا الحالتين للتغيير الذى تم فرضه عليه. ولذلك أعود فأكرر أن التعاون ما بين الإشتراكيين والليبراليين فى الوقت الحالى فرض وليس إختياراُ وذلك نظراً للنظم المجودة فى المجتمع حالياً والتى تتطلب العمل المشترك مع العلم أن على الطرفان تقديم تنازلات للوصول إلى أكثر الحلول ملائمة للمجتمع المصرى فى الوقت الحالى.

1 comment:

  1. تحية طيبة
    أقوم بإجراء دراسة عن المدونين فى مصر فى إطار رسالتى للماجستير ،وأتشرف بإضافة مدونتكم فى عينة المدونات الخاصة بى ، وأرجو من سيادتكم تزويدى بعنوان البريد الالكترونى للإجابة عن استمارة الاستقصاء ، وسيكون لكم جزيل الشكر على تعاونكم واهتمامكم ، وأتشرف بالرد على أى استفسار بخصوص طلبى .

    مع شكرى للاهتمام والتعاون مرة أخرى
    bloggingsurvey@yahoo.com
    مها بهنسى المعيدة بكلية الإعلام-جامعة القاهرة

    ReplyDelete