October 16, 2011

رسالة إلى العقلاء: يا عزيزى كلنا ضحايا


ما حدث فى ماسبيرو مصيبة بكل المعانى. ولا أعنى ما حدث من الجيش، لأنه لم يدهشنى.. ولا أتحدث عن الشهداء، فهم فى عالم أحسن من عالمنا اليوم وأدعو أن يتولاهم الله برحمته.. ولكن ما هالنى هو حجم الكراهية الطائفية التى إجتاحت الجميع فى أعقاب هذا اليوم المشؤم.. هذا الإعصار من الجهل الذى أتى على كل ما لدى هذا الشعب من السماحة والتسامح.. هذا الكم الهائل من التعصب الأعمى من جميع الأطراف. والمصيبة الحقيقية هى عندما يبدأ جذب الوسطيين إلى الأقطاب وتحويلهم إلى متطرفين بسبب الشحن الأحمق من الجهلاء والمغرضين.


تبدأ المشكلة حين يتخيل كل طرف أنه الضحية الوحيدة، فى حين إن الجميع ضحايا لنظام فاسد أقام الظلم وإغتصب العدالة. يتخيل الأقباط أنهم ضحايا وحدهم ويتخيل المسلمون أنهم إستضعفوا دون أخواتهم. ولكن الحقيقة هى أننا كلنا ضحايا لنظام قام على ظلم الجميع وخلق الإختلافات لتفرقة النفوس. لم يأخذ المسلم حقه ولم يأخذ المسيحى حقه.

يرى المسلمون أن على مدار الثلاثين سنة الماضية قام مبارك بحماية الأقباط على حسابهم.. وأنه أقام نظاماً خاصاً للأقباط خارج حدود القانون وأقام لهم دولة داخل الدولة.. ففى الوقت الذى تخضع فيه المساجد لوزارة الأوقاف ونظم المحاسبة لم تخضع الكنائس لمثل هذه الرقابة وفى كل مرة كانت تحدث مشكلة طائفية كان النظام يقوم بإلقاء القبض على أعداد كبيرة من المسلمين ويعذبهم ويعتقلهم بدون محاكمات عادلة أو حتى محاكمات غير عادلة. ولا مثال على ذلك أبلغ من بلال الذى تم تعذيبه حتى مات فى أعقاب حادثة كنيسة القديسين فى الأسكندرية. إن بلال واحد من المئات الذين دفعوا ثمن هذه التفرقة التى أقامها النظام ويراها العديد على أنها تدليل من النظام السابق للأقباط، يسترضيهم بالخروج عن النظام الرسمى لإرضاء الأقباط. وقد عانى المسلمون كثيراً من قمع النظام السابق وإمتلائت السجون بالناشطين منهم. حتى أنه فى أوقات عديدة كانت الداخلية تلقى القبض على من ينتظم فى صلاة الفجر فى الجامع أو يلتحى. وعانوا من مراقبة أمن الدولة وتدخلها فى حياتهم اليومية وتهديدها لهم ولأهلهم. وفى الوقت ذاته لم يروا من النظام نفس هذه المعاملة للأقباط، فمهما وصلت درجات التطرف فى المسيحين لم يتم قمعهم ولم يتم إعتقالهم أو تعذيبهم. وفى وقت من الأوقات قبل الثورة كانت الشرطة لا تلقى بالاً لأى مشكلة تنشأ بين أطراف إلا إذا كان أحد هذه الأطراف قبطيأً، ومنعت الملتحين من دخول الجيش أو منشئاته.

ولكن لم يختص هذا الظلم المسلمين فقط.. فنفس هذا النظام قد ظلم الأقباط كثيراً وتعامل معهم على أنهم ليسوا مواطنين لهم حقوق رسمية فى بلدهم بل وأن إصرار النظام على حل مشكلات الأقباط حلولاً عرفية هو إقصاء رسمى لهم. فعلى مدار العقود الثلاثة السابقة لم يكن للأقباط الحق فى بناء الكنائس فى إطار نفس القوانين التى تحكم بناء المساجد وإضطر الأقباط فى كل مرة إلى إستخدام حلول عرفية لبناء دور عبادتهم وكأن بناء الكنائس سماحة من النظام وليس حقاً مكتسباً لهم. وفى كل مرة حدثت مشكلة طائفية لجاء النظام إلى الحلول العرفية وإمتنع عن تطبيق القانون متعللاً بالمحافظة على شعور الأغلبية. ولم يسمح للأقباط بالوصول إلى المراكز القيادية فى الجيش وتم التعامل معهم بنظام الكوتة فى المراكز الحكومية ولم يعاملوا معاملة مماثلة للمسلمين حيث يتقلد المناصب أكثر الأشخاص كفاءة. على مدار ثلاثين سنة تم التعامل معهم على أنهم أقلية ليس لها حقوق رسمية ولكن لها العطف والسماحة من النظام.

إن هذا التعامل العرفى مع الأقباط هو ما يغضبهم وهو نفسه ما يغضب المسلمين، ومعاملتهم كأنهم فصيل خارج النظام هو ما يثير الجميع. لا يطلب الأقباط معاملة إستثنائية كما لا يطلب المسلمون معاملة إستثنائية للأقباط أو لأنفسهم. الجميع يطلب دولة العدل التى تطبق القانون على الجميع سواسية. المعركة ليست معركة الأقباط فقط وليست معركة المسلمين فقط، إنها معركة المصريين جميعاً، إنها معركة النوبيين وأهالى سيناء وسكان الصعيد وبدو مطروح.. معركة العمال والمدرسين والأطباء ورجال الأعمال والسيدات والمواطنين الذين يعانون كل يوم من الفساد وغياب العدالة.

إن المرحلة القادمة هى مرحلة حرجة وقد نحتاج إلى معجزة للخروج منها بأقل حجم من الخسائر.. العواطف متأججة والشحن مستمر من الجميع ويقود هذا الجنون مجموعة من المتطرفين من الطرفين أعماهم الجهل والحقد عن فهم أو حتى إحترام معاناة الطرف الآخر. ولن نخرج من هذه المحنة إلا بتدخل العقلاء من جميع أطياف الشعب وتوحيد الصفوف وراء مطلب واحد وهو إرساء العدالة وتطبيق القانون على الجميع سواسية. إننا بحاجة إلى دولة مدنية حقيقية لا تفرق بين مواطنيها ولن ينفعنا فى ذلك رجال الدين المتعصبون، لأنهم آخر من يريد دولة مدنية. إنهم يريدونها طائفية حتى يستمروا فى التحكم فى مصائر الناس. إن المخرج الوحيد لن يكون بالإعتماد على المتطرفين بل بعمل العقلاء.

أتمنى أن يجلس العقلاء من الطرفين، وأن يعترف كل منهم أنه فى كل ما عاناه من ظلم على مدار الثلاثين سنة السابقة لم يكن وحده وأن الطرف الآخر ضحية مثله تماماً. يجب أن يفهم كل طرف حجم القهر الذى وقع على الطرف الآخر وأن معاناة الأقباط لم تكن لصالح المسلمين وأن ما عاناه المسلمون لم ينقص من الظلم الواقع علي المسيحين. وأن يرى كل طرف كيف أن الآخر لم يطلب هذا الظلم لصاحبه ولم يستفد منه. أتمنى أن يرقى كل طرف عن النظر لنفسه فقط ويرى أن الظلم وقع على الجميع. على العقلاء أن يعرفوا أن الجميع يريد العدل ويسعوا إلى تحقيقه وليس إلى تحقيق مطالب إستثنائية أو تعطيل مطالب إستثنائية.  ويجب أن تعلو أصوات العقلاء على أصوات المتطرفين وأن يحشدوا ورائهم الغالبية العظمى من هذا الشعب الذى لم يكن يوماً متطرفاً. يجب أن يفهم الأقباط أن المسلمين لا يريدون قهرهم وأن يفهم المسلمون أن الأقباط لا يريدون حماية دولية داخل بلادهم، إنهم يبغون حماية دولة تطبق القانون على الجميع وهذا هو بالضبط ما يطلبه المسلمون.

كما أنه على الجميع أن يفهم أنه بعد الثورة وخاصة فى ظل حكومة تافهة مثل التى تدير الأمور اليوم، لم يعد للدولة نفس الدور الذى كان لديها قبل الخامس والعشرين من يناير، الكلمة اليوم للشعب وللشارع.. لا تتخيل فئة أنها سوف تفوز بمكاسب إستثنائية عن طريق الضغط على هذه الحكومة الكتعاء، ففى اليوم التالى سوف تقوم فئة آخرى بالضغط فى الإتجاه المقابل.. الحل الوحيد هو حشد الجميع وراء المطالب ومطلب العدالة وتطبيق القانون ليس مطلباً خلافياً، إنه مطلب أساسى للجميع، المسلمين والأقباط سواءً، وهو مطلب لجميع فئات الشعب.

4 comments:

  1. One of the best insights I read about the sectarian tension in Egypt. Bravo!

    ReplyDelete
  2. If you are willing to see that Christians and Muslims suffered EQUALLY under and from the regime then you are willfully ignoring reality. I used to say the same stuff you do above - but it is increasingly apparent that "el nizam" is actually largely made up of biased Muslims. I could use many examples if you like. tab3an the solution to everyone's problems is enforcing rule of law, equality etc. but not only is there way too much hatred for this to happen, it requires that people recognize that the state is just as religiously prejudiced as other members of society. Moreoever i do not think you have touched on the way that Egyptians are most fucked up in this regard in my opinion: EVERYONE wants to be governed by his or her religious laws. yes, that's how stupid they are. they want two separate personal status schemes and all that and for conversion to be virtually prohibited into the other faith and so on. in light of such a failure to recognize the importance of secular laws mish 3arfa momken ne3mel eh.

    ReplyDelete
  3. أختلف مع الطرح الأساسي و هو إن المسيحيين (أو النصارى بما إن دي الموضة) و المسلمين مظلومين و ضحية نظام فاسد و شيطاني أدى بهم لكراهية بعضهم البعض. المسلمين لا يتعرضوا لإضطهاد بسبب أنهم "الأخر" و طرح الموضوع كأن الطرفين ضحية يتجاهل السياق الأساسي . ما حدث للمسيحيين منذ السبعينات للأن هو رد فعل في المقام الأول. رد فعل خاطئ أدى بهم لخلق مجتمع موازي و منعزل. لكنه رد فعل.
    المسئولية الأعظم تقع على عاتق الأغلبية المسلمة و رجال الدين المسلمين و الفكر الوهابي .

    ReplyDelete
  4. I think its a very well thought out and very well written analysis. I agree with you completely that the corrupt regime which also contained Coptic elements bore no allegiance to any religion in any meaningful sense. Sure the majority in the corrupt regime were Muslims but religiosity of any measure was never seen as an asset amongst them.

    The idea that Copts suffered more in my opinion is the wrong way to go about this. If we follow that logic Islamists would have probably suffered the most under Mubarak's rule. Therefore, I don't think that discussion would be useful. Discrimination against Copts is self evident and has been legalized. That the previous regime fostered hatred between the two factions is also self evident.

    What I like about your piece is that it's forward looking and actually quite optimistic. Actually, from the number of Muslims I talked to Sunday's massacre was a wake up call. Instead of blaming the victim, most weren't looking for responsibility but were like you focused on their fear of what's to come.

    You write very well Karim. Thanks for sharing.

    ReplyDelete