February 13, 2012

مجلس الشعب: ما له وما عليه - حتى الآن


تتعالى أصوات منددة بأداء مجلس الشعب وأداء حزب الحرية والعدالة بالذات.. كما تتعالى أصوات تصفق لكل ما يتم طرحه من نفس هذا المجلس. والحقيقة أنه ليس كل ما قدمه لنا مجلس الشعب حتى الآن مرفوض كما أنه ليس أفضل ما عندنا (أو بالآحرى أحسن ما عندهم). مع العلم بأن الغالبية العظمى من نواب هذا البرلمان ليس لديهم أى خبرة سياسية ويفتقروا إلى التدريب الكافى على دورهم وطرق تحقيقه. وأملى أن يتحسن أدائهم تدريجياً بل وواجبنا أن نستمر فى دعمهم والضغط عليهم حتى يرتقى أدائهم لما نطمح إليه.

عليهم: الدور الثورى
أخذ على المجلس إلتزامه بخطة طريق المجلس العسكرى التى ضربت بعرض الحائط نتيجة إستفتاء مارس وتضع الدستور قبل الرئيس. وإن لم يرى أعضاء المجلس أن هذه مناورة من العسكرى للتدخل السافر فى وضع الدستور فهم إما سذج أو متواطئين أو خائفين. إن إلتزام المجلس بهذه الخريطة هو إنقلاب صريح على ثورة قامت فى الأساس لإنهاء الحكم العسكري لمصر. وفى الوقت الذى إكتسب هذا المجلس الشرعية الحقيقية الوحيدة الموجودة الآن فإن تقاعسه فى قيادة هذه المرحلة وترك إدارتها كاملة للمجلس العسكرى هو إلتزام بخطة فى باطنها تحقيق لطموحات من قامت عليهم الثورة فى الأساس. فإن لم يقتنص البرلمان هذه الفرصة لتثبيت شرعيته والأخذ بزمام الأمور ليحقق أهداف هذه الثورة التى أتت به، فهو كما قلت إما ساذج يتخيل أن يقوم صاحب السلطة بالتنازل عنها بهذه السهولة وبدون أى ضغط أو متواطئ يحقق أهداف العسكرى لمكسب فى صالحه أو أنه خائف وفى هذه الحالة عليه أن يدعم بكل قوة الحراك الثورى فى الشارع حتى ينتزع هذه الشرعية التى أعطاها له الشعب.

كما أخذ على هذا المجلس خلوه من أى فكر ثورى.. ففى الوقت الذى يغلى فيه الشارع ويتوقع الكثير من نوابه نجد أن المجلس يبحث فى حلول تقليدية ومقيدة بأفكار بالية وتتوه الأفكار ما بين جيد وتافه ولا يتم إتخاذ قرارات حاسمة وسريعة. حتى مستوى الحديث والتباطوء فى إتخاذ القرارات مخيب للأمآل. فنجد النواب يزيدون ويعيدون فى الحديث ويكررون من سبقهم والكل يتسابق لإلقاء كلمته حتى وإن كانت إعادة لما قيل مبذرين وقت ثمين فى هذه المرحلة الحرجة.

وأخيراً أخذ على بعضهم هذه الحركات المسرحية المبالغ فيها ومحاولات التنافر على المبادئ الأيديولوجية سعياً وراء مكاسب شعبية رخيصة وأرضيات سياسية تافهة فى حين أن المطلوب اليوم هو حلول واضحة وصريحة لمشكلات طارئة وملحة لن تختلف الأيديولوجيات فى حلولها. فإن كنا شعب يتم إتهامه بالغوغاء كنت أطمح فى مجلس شعب ثورى ولكن متحضر وقادر على مناقشة الأفكار والحلول بدون شخصنة الأمور على حساب ما تؤول له البلاد.

ما لهم: عكسهم لإرادة القاعدة العريضة
يحسب لهم أنهم يتحدثون بلسان القاعدة الأعرض من الشعب والتى قد لا تبدى إهتماماً كبيراً بالتعديلات الهيكلية للدولة ولكن يشغلها الظروف المجحفة التى يعيش تحتها الغالبية العظمى من المصريين. وأخذ على بعض الثوار تذمرهم من فتح ملفات مثل أنابيب البوتجاز التى راح ضحيتها عدد غير قليل من الأرواح بالإضافة إلى المعاناة اليومية للملايين حتى أصبحت الشغل الشاغل لأرباب الأسر. هذه إحدى المشكلات التى تفاقمت إلى حد تتضائل أمامه أى مطالب ثورية حتى وإن كانت الحلول الثورية هى ما يضمن إختفاء المشكلات من هذا النوع تماماً على المدى الطويل. لا يستطيع إنسان أن يطلب من من يقهر يومياً أن يصبر بضعة أشهر لحين إستكمال الثورة.

هناك بضعة مواقف تحسب لهم أيضاً.. فأرى أن تقرير تقصى الحقائق فى أحداث الداخلية تقرير جيد ومتوازن وأن التوصيات غاية فى الوضوح والحسم. كما أحسب لحزب الإخوان (مع إختلافى الدائم معه) محاولة إتهام وزير الداخلية وسعيه لإستخدام أدوات برلمانية فى محاولة للإرتقاء بالأداء المؤسسى للبرلمان. كما أحسب لرئيس المجلس إلتزامه باللائحة (وإن كنت معترض مع بعض بنودها) ولكن إرساء قاعدة من إحترام اللوائح فى داخل البرلمان هى خطوة للإرتقاء بأداء الأعضاء فى المجلس. وأرى أن أداء بعض النواب (لا أتذكر أسمائهم) يتحسن بشكل ملموس بين الجلسة والآخرى ويتجهون أكثر إلى الموضوعية ومحاولات الوصول إلى قرارات.

وأخيراً فإننى أكرر ما قلته أعلاه.. إن الغالبية العظمى من نواب هذا البرلمان ليس لديهم أى خبرة سياسية ولم يتم توعيتهم على دورهم فى المجلس بل وقدموا على ميراث من أداء مشين من النظام البائد وعليهم أن ينشئوا شكل جديد من صفر يعيد تعريف دور النائب فى برلمان حر ودورنا دعم هذه المرحلة التى يتم فيها إرساء لشكل جديد للحياة النيابية فى مصر. وفى الوقت ذاته أخذ على كل من يطالب بحل البرلمان أو سحب الثقة منه أو مقاومته، فالحقيقة أنه لا توجد أى قوة سياسية فى مصر اليوم ترقى إلى مستوى طموحاتنا ولو كان هناك وجود لمثل هذه القوة لأخذت الأغلبية فى البرلمان ولكنها غير موجودة. فالحل الوحيد هو دعم البرلمان القائم والإستمرار فى نقده.. بغرض تحسين أدائه وليس بهدف إسقاطه بل وعلينا توفير كل ما يحتاجه هذا البرلمان للنجاح حتى أنه إن فشل فى أداء مهمته لم يستطع أن يلوم أعضائه إلا أنفسهم. وهذه ليست دعوة منى لقبول كل ما يصدر من هذا البرلمان، بل بالعكس فهى دعوة للنقد والإعتراض والتظاهر – عند الحاجة - ولكن فى إطار من الموضوعية من أجل إنجاح عملية إنتقالنا إلى ديمقراطية حقيقية. وأتمنى أن يستطيع هذا المجلس المزج ما بين هذا الدور الثورى المطلوب منه لإنشاء دولة جديدة لن تقوم بمحاولات إصلاحية هادئة والدور النيابى الذى يعكس الإحتياجات الملحة للقاعدة الأكبر من الشعب.


No comments:

Post a Comment