April 2, 2012

حكم الأغلبية بين السذاجة والديمقراطية


يتخيل البعض أن الديمقراطية هى الحكم المطلق للأغلبية وأن على الأقلية (حتى وإن كانت 49%) الإنصياع الكامل لرأي الأغلبية. وهالنى ما رأيته فى مناقشات مع الكثيرون عن تعريف الديمقراطية وحدود سريان حكم الأغلبية على الكل. وفى أحد هذه الأحاديث سألت محدثى: هل لو إجتمع 99% من البرلمان على تهجير الـ 1% المتبقيين من الدولة يكون ذلك من حقهم؟ وأرعبني رده وهو أنه لو إجتمع 51% من البرلمان أصبح من حقهم سلب حقوق الـ 49% وأن هذه هى الديمقراطية الحقة.


 وقادنى ذلك إلى تشبيه الديمقراطية بإدارة شركة وإذ بى أفاجاء بمحدثى يحاول إقناعي أنه فى الشركات 50% + صوت واحد كافية لإدارة الشركة إدارة مطلقة.  ووضح لى مدى سطحية معلوماته عن أليآت إتخاذ القرار داخل الشركات. ولكننى وجدت أن مثال الشركات ربما يقرب الصورة.  وفيما يلي مثال من القوانين المنظمة للشركات طبقاً للقانون المصري وطبقاً لقوانين دول آخرى لشرح أليآت إتخاذ المساهمين القرارات فى الشركات التى ربما تكون مثال واضح عن الديمقراطية الحقة.

من حق الأغلبية البسيطة (50% + 1) بالفعل إدارة الشركة وتغيير المديرين كما يترأى لها وذلك فى كل ما يخص الإدارة اليومية للمؤسسة وهنا ينتهى حق الأغلبية البسيطة ويبدأ دور الأغلبية المطلقة (فى حالات 75% +1 وفى حالات آخرى الثلثي) ومن سلطاتها إتخاذ كل القرارات المصيرية للشركة ومنها تعديل النظم الداخلية للشركة وتغيير النشاط أو إضافة النشاطات الجديدة.. ومن سلطاتها أيضاً الإقتراض وبيع الأصول أو بيع الشركة بالكامل أو الإندماج أو طرح الشركة فى الأسواق المالية وتوزيع الأرباح وتقرير الميزانيات والخطط السنوية للشركة كما لها حق زيادة أو خفض رأس المال. وكلها صلاحيات إتخاذ القرارات التى تغير فى شكل الشركة تغيير جذري.

ومع ذلك هناك لوائح عديدة مصممة لحماية الأقلية من طغيان الأغلبية ومنها أنه ليس من حق الأغلبية حرمان الأقلية من نفس حقوق الأغلبية فمثلاً لا يسمح أن تقرر الأغلبية (حتى وإن وصلت إلى 99.9%) أن تقوم بتوزيع الأرباح على الأغلبية وحرمان الأقلية من الأرباح كما أنه ليس من حق الأغلبية إجبار الأقلية على بيع أسهمها أو إجبارها على بيعها بسعر مختلف عن سعر الأغلبية كما أنه فى حالات ليس من حق الأغلبية بيع حصتها فى الشركة بدون عرض نفس شروط البيع لصغار المستثمرين. كما أنه ليس من حق الأغلبية الدخول فى تعاقدات مجحفة تحرم المؤسسة من الأرباح وليس من حق الأغلبية إقرار تعاقدات خارجية مع مؤسسات مملوكة للأغلبية بدون الإعلان عن تضارب المصالح ويحق للأقلية اللجوء إلى القضاء إن رأت إن فى ذلك إهدار لحقوقها. كما أنه ليس من حق الأغلبية حرمان الأقلية من حضور إجتماعات الجمعية العمومية أو التصويت فى الإجتماعات أو حرمان اللأقلية من الإطلاع على المستندات العامة للشركة.

فإن أخذنا إدارة الشركات كمثال للديمقراطية نجد أن الأغلبية فى مجلس الشعب حتى 51% يكون لها حقوق الإدارة اليومية للبرلمان ومنها تمرير التشريعات ومسألة الحكومة ودراسة المشروعات وهنا ينتهى دور الأغلبية البسيطة ونبدأ فى دور الأغلبية المطلقة وهى كل ما يؤثر تأثير مباشر فى شكل وهيكل الدولة ومنها التعديلات الدستورية وسحب الثقة من الحكومة وقرارات مثل الحرب والإقتراض فى حدود معينة إلخ.. ومع ذلك فليس من حق الأغلبية أن تأخذ أى قرارات تنتقص من حقوق الأقلية حتى وإن إجتمع 99% من البرلمان على قرار من شأنه تمس حق أى فرد فى الدولة.

وإذا نظرنا للموضوع من منطلق آخر.. تخيلت أننى قمت بإنشاء شركة مع أخى وأملك فيها أغلبية مطلقة (75%) فهل عند إتخاذ القرارات سوف أسعى كل مرة إلى تفعيل حقي فى إتخاذ القرار منفرداً، قاهرا وكارهاً أخى إلى ما لا يرضاه؟ أم أنه نظراً لهذه العلاقة الأسرية فإننى سوف أسعى بكل الطرق إلى إرضائه والتوافق معه على القرارات التى تؤثر على حصته فى الشركة كما تؤثر فى حصتى؟ وهل كنت سوف أتنازل عن بضعة قرارات حتى تسير المركب بنا وخاصةً أنه يمتلك ربع هذه الشركة؟ هل أن أخسره كعضو فعال فى الشركة أفضل من أن أتنازل عن بعض ما أبغاه؟ إن فكر المغالبة فكر ضيق قصير المدى فلا يتصور شخص أن 51% سوف يكرهون 49% على الطاعة أو أن الأقلية سوف تسمح للأغلبية أن تسلبها حقوقها تحت مسمى الديمقراطية. إن هذا نوع من السذاجة والعبث الصبيانى.. أن يتخيل أى شخص أنه من الممكن أن نعيش شركاء فى الوطن وأن نسعى إلى التقدم بالدولة وبنا نسبة مقهورة أو مسلوبة الحقوق حتى وإن كانت هذه النسبة أقل من 1% من الشعب. ولربما أحسن مثال هو أهل سيناء الذين إنتفضوا بعد سنوات من التهميش ضاربين السياحة فى سيناء فى مقتل مع أن نسبتهم لا تتعدى ال 1% من الشعب المصري. ولكن معاناة هذا الفصيل الصغير تصيب الجميع بالألم.

وأخيراً إن الفكر الإقصائي فكر أعرج يتخيل أن هناك أغلبية واحدة وأقلية واحدة، ولكن الحقيقة هى إن كل منا أقلية بشكل أو بأخر.. فلو قامت أحزاب الأغلبية اليوم بتفعيل فكر حكم الأغلبية المطلق وهربت الأقليات من مصر سوف تنقسم هذه الأغلبيات إلى أقليات جديدة وسوف يعتبر الإخوان أن السلفيين أقلية غير مرغوب فى تطرفها وسوف تضيق عليها حتى يهرب السلفيون ثم يقوم الإخوان بالإنقسام بينهم فيصبح الريفيين فيهم أقلية.. إلخ .. إلخ.. الموضوع فى النهاية طريقة تفكير ومنطق هل نحن كدولة نسعى أن نكون دولة العدل والتوافق أم سوف نصبح دولة الغابة والبقاء للأقوى؟

5 comments:

  1. well put ... let's hope they can relate

    ReplyDelete
    Replies
    1. It's a huge challenge to change mentalities that have been stagnating and festering for 60 years.. But let's hope

      Delete
  2. إن فكر المغالبة فكر ضيق قصير المدى فلا يتصور شخص أن 51% سوف يكرهون 49% على الطاعة أو أن الأقلية سوف تسمح للأغلبية أن تسلبها حقوقها تحت مسمى الديمقراطية. إن هذا نوع من السذاجة والعبث الصبيانى.. Wow Karim, as impressive as usual. And as objective as hell, and that is, as agreed, very rare انت اقلية او نخبة او سميها زي ما تسميها - العلم نور

    ReplyDelete
  3. وهناك زاوية اخرى الديمقراطيةفى الدول التى تعرضت للقهر و التجريف و الفساد و الجهل و الفقر تفرز اغلبية ينطبق عليها المثل القائل اذا اكرمت الكريم ملكتهة و اذا اكرمت اللئيم تمرد

    ReplyDelete
  4. لا زلت لا أفهم الحق مع من الأغلبية أم الأقلية

    ReplyDelete